دروس في التوبة
بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم أن الذنب لا يسلم منه أحد؛ ولهذا فالإنسان بحاجة ماسة إلى التوبة صباح مساء، والتوبة الصادقة لها علامات، ومنها: أن يحافظ صاحبها على الأوقات، وأن يعيش مع السنة، وأن يكثر من ذكر الله تعالى، مع ندمه الشديد على ما سلف.
نحن نحتاج إلى التوبة صباح مساء؛ لأننا أذنبنا وقصرنا مع الله، وأخطأنا، المتكلم والسامع، ولكننا عرفنا أن لنا رباً سبحانه وتعالى، يأخذ بالذنب ويغفر الذنب، فقلنا: نستغفر الله، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
يفتق الثوب؛ فيذهب به إلى الخياط، وتتعطل الآلة؛ فيذهب بها إلى المهندس، ويمرض المريض؛ فيذهب به إلى الطبيب، ولكن قلوبنا إذا تعطلت ومرضت وفتقت إلى أين يذهب بها؟ إلى الله الواحد الأحد، فلا يصلح القلوب إلا الله، ولا يشرح القلوب إلا الله، ولا ينور القلوب إلا الله نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35].
والقلوب تفزع، والقلوب تقسو وتصدى، والقلوب تقفل فلا ترى نوراً ولا حكمةً، ولا هداية ولا رسالة.
كان عليه الصلاة والسلام يقول: {يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك } والله يقول: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11] ويثبت قلبه على النور، وحاجتنا أول ما نحتاج؛ بل هي أول المنازل وآخر المنازل التوبة النصوحة.......
#############################
واعلم يا مسلم: أن هناك ثلاث قضايا في التوبة:
القضية الأولى: أنه لا يغفر الذنب إلا الواحد الأحد، ولو اجتمع ملوك الدنيا ومسئولوها، وزعماؤها وعلماؤها على أن يغفروا لك ذنباً واحداً ما استطاعوا، يقول تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ )[آل عمران:135].
القضية الثانية: أنه مهما أتيت من ذنب ثم تبت إلى الله غفر الله ذنوبك وإن كانت جبالاً من الخطايا وسيلاً من السيئات، وتستغفر وتتوب وتعزم على أنك صادق؛ يغفرها الله سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
القضية الثالثة: أن الصغائر تجتمع على العبد حتى تهلكه، كمثل نظرة، وسماع أغنية، ولمحة، وقليلٌ من السيئات تجتمع فيتدكدك تحتها العبد، ويسحق والعياذ بالله! في الصحيحين : {أن رجلاً من بني إسرائيل أذنب على نفسه ذنباً عظيماً -كان مؤمناً موحداً، ولكن أذنب وأخطأ- فلما أتته سكرات الموت قال لأبنائه: إذا مت فاجمعوا لي حطباً، وأشعلوا فيه النار ثم أحرقوني، ثم اسحقوني وذروني علَّ الريح أن تذهب بي في كل مكان، فجمعوا له حطباً وأحرقوه وسحقوه وذروه فذهب به الريح في كل مكان } ولكن من الذي يجمعه؟! هو الواحد الأحد، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] وقال: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:78-79] جمعه الله بكلمة (كن) فكان أمامه، وظن هذا الرجل أن الله لا يستطيع أن يجمعه: {.. قال: يا عبدي! ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب! خفتك وخشيت ذنوبي، قال: يا ملائكتي أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة } رحمة الله واسعة، وفضله عظيم، لكن يوم يعرف العبد أن رحمة الله واسعة وفضله عظيم.
#############################
أحوال الناس مع الذنوب
والناس قسمان -ولا يسلم من الذنب أحد-: منهم من يذنب ويتوب ويستغفر، يتوضأ، ويصلي الخمس، ويراجع حسابه مع الله، يبكي، ويندم، ويتصدق، ويتوب، ويأتي بنوافل، فيغفر الله ذنبه إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] ومنهم من يذنب ولكن يركب رأسه، ويغلبه هواه؛ فيتردى أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ولو رأيتهم يوم تركوا الصلوات الخمس، ووقعوا في المعاصي والفواحش، ووقعوا في المخدرات، وعقوا الوالدين، وقطعوا الأرحام، لرأيت أمراً عجيباً!
#############################
اليك هذه الأمانات فإذا حفظتها حفظت نفسك
1/ أمانة حفظ الصلوات
وأول الأمانات: الصلوات الخمس، يوم تصليها في جماعة، يوم تصليها في خشوع، يوم تعيش الصلوات الخمس، حينها: يحجب الله عنك الفواحش والمنكرات، ويتوب عليك توبةً ظاهرةً وباطنة، ويتقبلك فيمن تقبل، ويهديك سواء السبيل، والله يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] والمصطفى صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: {من صلَّى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله؛ فالله الله! لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار }.
2/ أمانة مراقبة الله في السر
وهي: حفظ الغيب مع الله، تتستر في الحيطان ولا يراك إلا الواحد الديان، وتتستر بالجدران ولا يراك إلا الرحمن.
وإذا خلوت بريبة في ظلمةٍ والنفس داعية إلى الطغيانِ
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
#################################
علامة التوبة الصادقة
ومما ينبغي في التوبة أن يعرف أن الصادق في توبته: هو الذي يحفظ الواحد الأحد، ولكن حفظ الله معناه: أن تؤدي أوامر الله وأن تجتنب نواهيه، وأن تطيع الله ثم تطيع ولاة الأمر في طاعة الله لا في معصية الله عز وجل، ويوم تطيع الله تصدق في التوبة.
قيل لأحد الصالحين: ما علامة التوبة؟ قال: بكاء العين، ووجل القلب، وطاعة الجوارح.
وقيل لآخر: ما علامة التوبة؟ قال: أن ترغب فيما عند الله وتزهد فيما في الدنيا.
وقيل لثالث: ما هي التوبة؟ قال: أن تجعل في ذهنك أول ليلة من ليالي القبر. وتذكر هذه الليلة يدفعنا إلى التوبة وإلى العودة إلى الله، ويوجد والحمد لله في الساحة عودة عظيمة إلى الله، وقد ذاق الناس طعم الكفر والإعراض والفجور، ثم ذاقوا طعم الإيمان فعادوا إلى الواحد الأحد.
##############################
علامااااااات التوبه:
من علامات التوبه حفظ الوقت:
الصحابة كما قلت: كانوا عباداً لله، ولكن تحولت عبادة الصحابة وسهرهم مع كتاب الله عز وجل وذكر الله، والبكاء، تحولت في هذا الزمن عند بعض شباب المسلمين إلى الجلوس في المقاهي اللاهية اللاغية، وفي السهرات الحمراء، والسيجارة، ومع الكأس، ومع المخدرات، والمعصية والعياذ بالله! أظلمت الدنيا من كثرة المعصية، وقست القلوب من الفاحشة، وانقطع القطر من السماء من ظلم بني آدم، وفي الصحيح أن الله عز وجل يقول: {يسبني ابن آدم ويشتمني وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي فيسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء } يقول بعض العلماء في معناها: لا تنقموا على الدهر وانقموا من أنفسكم مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79].
ومن علامات التوبة: أن تعيش مع السنة.
من هو قدوتك في الحياة؟ من هو أستاذك؟ من هو شيخك الذي يعلمك؟ من الذي بيده مفتاح الجنة؟ والله لا ندخل الجنة، لا أنا ولا أنت ولا أي رجل حتى نتبع سنته صلى الله عليه وسلم ونأتي من بابه بعد مبعثه، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهوديٌ ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار } فهو قدوتك لا شرقي ولا غربي، ما دام أنه فعل هذا الفعل الصالح لك، والنصحية لك، والذي أنصح نفسي وإياك أن تفعله ولا تتأخر في تطبيقه لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
من علامات التوبة: العيش مع الإسلام
ومن علامات التوبة: أن تعيش في بيتك مسلماً، وفي سوقك، ودكانك وفي عملك، ألا تكون مسلماً فقط وقت الصلاة فإذا خرجت من المسجد خلعت مفهوم الصلاة، تقول: الصلاة الصلاة لكن أين مفهوم الصلاة؟ المحاكم تشكو من الرُّشا، والربا، والكذب، وشهادة الزور، المقاهي يأتي إليها مئات الشباب؛ الذين عقوا الوالدين، وقطعوا الرحم، وهجروا المسجد، وتركوا القرآن، وغنوا، وطبَّلوا، وزمَّروا، وأصبحوا كالبهائم، فأين مفهوم الصلاة عند هؤلاء؟!
من علامات التوبة: ذكر الله كثيراً
أهل الدنيا إذا اجتمعوا ذكروا دنياهم، وأولياء الله إذا اجتمعوا ذكروا الله أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
قيل لبعض من الزهاد: ما علامة التوبة؟ قال: حركة اللسان بذكر الواحد الديان، وإصغاء الأذنين لكلام الرحمن، وارتياح القلب لذكره ولعبادته أو كما قال. فإذا لزم ذلك وعرفه فاعرف أن أحسن الساعات التي تقضيها في طاعة لله؛ أن يكون بيدك مصحف، أو شريط إسلامي تستمعه، أو كتابٌ تقرؤه، أو تذكر الله مع إخوانك، أو استغفارٌ وتوبة، أو تأملٌ في آيات الله، أو تربية في البيت، فوقت المؤمن محفوظ.
#######################################
نصـــــــــــــــــــــــائح
1/ حسن الخلق مع المسلمين وغير المسلمين لأنك تعتبر صوره عن الإسلام
2/ التكثير من النوافل في العبادات فلقد جاء في الحديث القدسي أن الله سبحانه يقول (ومازال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه)
3/ كن داعيه في كل مكان قال تعالى (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله)
4/ طلب العلم الشرعي قدر الإمكان حتى تكون ممن يعبد الله ويدعو إلى دينه على بصيره
أخيراً
أسأل الله أن ينفع بكم أنفسكم وبلادكم والعباد، وأن يجمعكم في دار الكرامة، وأن يثيبكم على ما تقدمون للأمة من جهد، وأن يحرس بكم العباد والبلاد، وأن يحرسكم بالإيمان، وصلَّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
مقتطفات من محاضرة الشيخ عائض القرني
دروس في التوبه
بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم أن الذنب لا يسلم منه أحد؛ ولهذا فالإنسان بحاجة ماسة إلى التوبة صباح مساء، والتوبة الصادقة لها علامات، ومنها: أن يحافظ صاحبها على الأوقات، وأن يعيش مع السنة، وأن يكثر من ذكر الله تعالى، مع ندمه الشديد على ما سلف.
نحن نحتاج إلى التوبة صباح مساء؛ لأننا أذنبنا وقصرنا مع الله، وأخطأنا، المتكلم والسامع، ولكننا عرفنا أن لنا رباً سبحانه وتعالى، يأخذ بالذنب ويغفر الذنب، فقلنا: نستغفر الله، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
يفتق الثوب؛ فيذهب به إلى الخياط، وتتعطل الآلة؛ فيذهب بها إلى المهندس، ويمرض المريض؛ فيذهب به إلى الطبيب، ولكن قلوبنا إذا تعطلت ومرضت وفتقت إلى أين يذهب بها؟ إلى الله الواحد الأحد، فلا يصلح القلوب إلا الله، ولا يشرح القلوب إلا الله، ولا ينور القلوب إلا الله نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35].
والقلوب تفزع، والقلوب تقسو وتصدى، والقلوب تقفل فلا ترى نوراً ولا حكمةً، ولا هداية ولا رسالة.
كان عليه الصلاة والسلام يقول: {يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك } والله يقول: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11] ويثبت قلبه على النور، وحاجتنا أول ما نحتاج؛ بل هي أول المنازل وآخر المنازل التوبة النصوحة.......
#############################
واعلم يا مسلم: أن هناك ثلاث قضايا في التوبة:
القضية الأولى: أنه لا يغفر الذنب إلا الواحد الأحد، ولو اجتمع ملوك الدنيا ومسئولوها، وزعماؤها وعلماؤها على أن يغفروا لك ذنباً واحداً ما استطاعوا، يقول تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ )[آل عمران:135].
القضية الثانية: أنه مهما أتيت من ذنب ثم تبت إلى الله غفر الله ذنوبك وإن كانت جبالاً من الخطايا وسيلاً من السيئات، وتستغفر وتتوب وتعزم على أنك صادق؛ يغفرها الله سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
القضية الثالثة: أن الصغائر تجتمع على العبد حتى تهلكه، كمثل نظرة، وسماع أغنية، ولمحة، وقليلٌ من السيئات تجتمع فيتدكدك تحتها العبد، ويسحق والعياذ بالله! في الصحيحين : {أن رجلاً من بني إسرائيل أذنب على نفسه ذنباً عظيماً -كان مؤمناً موحداً، ولكن أذنب وأخطأ- فلما أتته سكرات الموت قال لأبنائه: إذا مت فاجمعوا لي حطباً، وأشعلوا فيه النار ثم أحرقوني، ثم اسحقوني وذروني علَّ الريح أن تذهب بي في كل مكان، فجمعوا له حطباً وأحرقوه وسحقوه وذروه فذهب به الريح في كل مكان } ولكن من الذي يجمعه؟! هو الواحد الأحد، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] وقال: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:78-79] جمعه الله بكلمة (كن) فكان أمامه، وظن هذا الرجل أن الله لا يستطيع أن يجمعه: {.. قال: يا عبدي! ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب! خفتك وخشيت ذنوبي، قال: يا ملائكتي أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة } رحمة الله واسعة، وفضله عظيم، لكن يوم يعرف العبد أن رحمة الله واسعة وفضله عظيم.
#############################
أحوال الناس مع الذنوب
والناس قسمان -ولا يسلم من الذنب أحد-: منهم من يذنب ويتوب ويستغفر، يتوضأ، ويصلي الخمس، ويراجع حسابه مع الله، يبكي، ويندم، ويتصدق، ويتوب، ويأتي بنوافل، فيغفر الله ذنبه إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] ومنهم من يذنب ولكن يركب رأسه، ويغلبه هواه؛ فيتردى أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ولو رأيتهم يوم تركوا الصلوات الخمس، ووقعوا في المعاصي والفواحش، ووقعوا في المخدرات، وعقوا الوالدين، وقطعوا الأرحام، لرأيت أمراً عجيباً!
#############################
اليك هذه الأمانات فإذا حفظتها حفظت نفسك
1/ أمانة حفظ الصلوات
وأول الأمانات: الصلوات الخمس، يوم تصليها في جماعة، يوم تصليها في خشوع، يوم تعيش الصلوات الخمس، حينها: يحجب الله عنك الفواحش والمنكرات، ويتوب عليك توبةً ظاهرةً وباطنة، ويتقبلك فيمن تقبل، ويهديك سواء السبيل، والله يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] والمصطفى صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: {من صلَّى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله؛ فالله الله! لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار }.
2/ أمانة مراقبة الله في السر
وهي: حفظ الغيب مع الله، تتستر في الحيطان ولا يراك إلا الواحد الديان، وتتستر بالجدران ولا يراك إلا الرحمن.
وإذا خلوت بريبة في ظلمةٍ والنفس داعية إلى الطغيانِ
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
#################################
علامة التوبة الصادقة
ومما ينبغي في التوبة أن يعرف أن الصادق في توبته: هو الذي يحفظ الواحد الأحد، ولكن حفظ الله معناه: أن تؤدي أوامر الله وأن تجتنب نواهيه، وأن تطيع الله ثم تطيع ولاة الأمر في طاعة الله لا في معصية الله عز وجل، ويوم تطيع الله تصدق في التوبة.
قيل لأحد الصالحين: ما علامة التوبة؟ قال: بكاء العين، ووجل القلب، وطاعة الجوارح.
وقيل لآخر: ما علامة التوبة؟ قال: أن ترغب فيما عند الله وتزهد فيما في الدنيا.
وقيل لثالث: ما هي التوبة؟ قال: أن تجعل في ذهنك أول ليلة من ليالي القبر. وتذكر هذه الليلة يدفعنا إلى التوبة وإلى العودة إلى الله، ويوجد والحمد لله في الساحة عودة عظيمة إلى الله، وقد ذاق الناس طعم الكفر والإعراض والفجور، ثم ذاقوا طعم الإيمان فعادوا إلى الواحد الأحد.
##############################
علامااااااات التوبه:
من علامات التوبه حفظ الوقت:
الصحابة كما قلت: كانوا عباداً لله، ولكن تحولت عبادة الصحابة وسهرهم مع كتاب الله عز وجل وذكر الله، والبكاء، تحولت في هذا الزمن عند بعض شباب المسلمين إلى الجلوس في المقاهي اللاهية اللاغية، وفي السهرات الحمراء، والسيجارة، ومع الكأس، ومع المخدرات، والمعصية والعياذ بالله! أظلمت الدنيا من كثرة المعصية، وقست القلوب من الفاحشة، وانقطع القطر من السماء من ظلم بني آدم، وفي الصحيح أن الله عز وجل يقول: {يسبني ابن آدم ويشتمني وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي فيسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء } يقول بعض العلماء في معناها: لا تنقموا على الدهر وانقموا من أنفسكم مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79].
ومن علامات التوبة: أن تعيش مع السنة.
من هو قدوتك في الحياة؟ من هو أستاذك؟ من هو شيخك الذي يعلمك؟ من الذي بيده مفتاح الجنة؟ والله لا ندخل الجنة، لا أنا ولا أنت ولا أي رجل حتى نتبع سنته صلى الله عليه وسلم ونأتي من بابه بعد مبعثه، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهوديٌ ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار } فهو قدوتك لا شرقي ولا غربي، ما دام أنه فعل هذا الفعل الصالح لك، والنصحية لك، والذي أنصح نفسي وإياك أن تفعله ولا تتأخر في تطبيقه لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
من علامات التوبة: العيش مع الإسلام
ومن علامات التوبة: أن تعيش في بيتك مسلماً، وفي سوقك، ودكانك وفي عملك، ألا تكون مسلماً فقط وقت الصلاة فإذا خرجت من المسجد خلعت مفهوم الصلاة، تقول: الصلاة الصلاة لكن أين مفهوم الصلاة؟ المحاكم تشكو من الرُّشا، والربا، والكذب، وشهادة الزور، المقاهي يأتي إليها مئات الشباب؛ الذين عقوا الوالدين، وقطعوا الرحم، وهجروا المسجد، وتركوا القرآن، وغنوا، وطبَّلوا، وزمَّروا، وأصبحوا كالبهائم، فأين مفهوم الصلاة عند هؤلاء؟!
من علامات التوبة: ذكر الله كثيراً
أهل الدنيا إذا اجتمعوا ذكروا دنياهم، وأولياء الله إذا اجتمعوا ذكروا الله أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
قيل لبعض من الزهاد: ما علامة التوبة؟ قال: حركة اللسان بذكر الواحد الديان، وإصغاء الأذنين لكلام الرحمن، وارتياح القلب لذكره ولعبادته أو كما قال. فإذا لزم ذلك وعرفه فاعرف أن أحسن الساعات التي تقضيها في طاعة لله؛ أن يكون بيدك مصحف، أو شريط إسلامي تستمعه، أو كتابٌ تقرؤه، أو تذكر الله مع إخوانك، أو استغفارٌ وتوبة، أو تأملٌ في آيات الله، أو تربية في البيت، فوقت المؤمن محفوظ.
#######################################
نصـــــــــــــــــــــــائح
1/ حسن الخلق مع المسلمين وغير المسلمين لأنك تعتبر صوره عن الإسلام
2/ التكثير من النوافل في العبادات فلقد جاء في الحديث القدسي أن الله سبحانه يقول (ومازال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه)
3/ كن داعيه في كل مكان قال تعالى (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله)
4/ طلب العلم الشرعي قدر الإمكان حتى تكون ممن يعبد الله ويدعو إلى دينه على بصيره
أخيراً
أسأل الله أن ينفع بكم أنفسكم وبلادكم والعباد، وأن يجمعكم في دار الكرامة، وأن يثيبكم على ما تقدمون للأمة من جهد، وأن يحرس بكم العباد والبلاد، وأن يحرسكم بالإيمان، وصلَّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
مقتطفات من محاضرة الشيخ عائض القرني
دروس في التوبه