السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل أصابـكم الفتـور؟
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، الحمد لله المثني على ملائكته الكرام فقال عز من قائل:{ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ* يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء :20،19] أي مستمرين في العبادة لا يتوقفون عنها،ولا يصيبهم الكسل بشأنها.
فحينما تسمو روحك في سماء الالتزام،وتعلو همتك إلى ما فوق الغمام ، تسير على خطى الحبيب عليه الصلاة والسلام،وتقتفي أثر صحابته الكرام، ذكر وتعبد ، ودعوة وجهاد ، وبُعد عن الحرام ، هناك تسعد النفس ويطيب لها المقام ، إلا أنه قد نفاجأ بحالة تعترينا من التكاسل, والضعف والخمول عن أداء الطاعات، فتخبو شعلة النشاط والحماس،وتضعف الهمة عن المسابقة للخيرات، وقد تصل عند البعض إلى التوقف عن العمل الصالح كلياً والعياذ بالله.
الفتور:
هوأمر يعترض نفوسنا جميعاً بين الفينة والأخرى فهو من طبيعة النفس البشرية ، وليس بقاصر على أهل الاستقامة والصلاح فكل إنسان تصيبه نوبة من الكسل والتراخي،ويكون حاصلاً في شيء من أمور الدنيا كما يحصل في أمور الدين، ولكنه في شأن المستقيمين أمر خطير ؛لأنه متصل بدينه وثباته عليه، قال :{ إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم}.
رواه الحاكم في مستدركه
وقال :{ إن لكل عمل شرّة ولكل شرّة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل } رواه البزار ، والشرّة: هي القوة والنشاط ، ويقابلها الفترة: وهي الضعف والكسل.
هل أنت مصاب بالفتور؟!!
هناك العديد من المؤشرات والأعراض التي تدل بداية الفتور ، والإصابة بالكسل نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
* التثاقل في أداء بعض الطاعات كقيام الليل ، أو صيام التطوع.
* التسويف ، وتأجيل الكثير من نشاطاتك الدعوية.
* النفور من مجالس العلم ، والذكر.
* الإعراض عن تلاوة القرآن.
* التساهل في رؤية بعض المحرمات.
* الرغبة في مجالس اللهو ، وتبديل الصحبة الصالحة.
* لا تجد في نفسك ألاماً عند تفويتك لبعض السنن.
وغيرها الكثير الكثير والله المستعان..
درجات الفتور:
حالة الكسل هذه التي تنتابك ليست بنفس الدرجة ،وليست بحجم الضرر التي تصيب غيرك،فهي تتفاوت من شخص لآخر قوة وضعفاً ، ولكن يمكن أن نقول أن الفتور يكون على مرحلتين:
1- مرحلة الملل والتكاسل عن أداء النوافل ، وعدم الحرص على الاستزادة منها ، والميل إلى الراحة والتخلي عن النشاط والحماس ، وهذا أمر طبيعي وستكون عودتك إلى سابق عهدك ونشاطك قريبة ما لم تستسلم لهذا الكسل فقد قال ابن القيم رحمه الله: ” تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيرا مما كان ” .
2- مرحلة الخطر،وهي نتيجة التساهل في المرحلة السابقة فتؤدي بك إلى ترك الفروض, والتساهل في اقتراف المحرمات, وقسوة القلب وبعده عن الله.
لماذا وصلت إلى هذا الأمر؟!!
تتعدد أسباب ذلك لكن النتيجة واحدة، فمن أسباب وقوعك في هذا الأمر:
1- أخطر الأسباب ضعف الإيمان بالله: محال يا أخي ، أن تتذوق طعم الإيمان، وحلاوته, ثم بعد ذلك تتوقف فالإيمان حصن الأمان.
2- الاستهانة بصغائر الذنوب : قال رسول الله : { إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه} رجاله رجال الصحيح ، فالاستهانة بصغائر الذنوب من أخطر الأسباب التي تصيب القلب بالفتور؛ لأن للذنوب أثراًَ على القلب.
3- عدم الترويح على النفس بالمباح: هذا سبب خطير قد لا يلتفت إليه الكثير, فتجد الرجل يجمل نفسه مالا تطيق من طول قيام أو كثرة صيام, ويحبس نفسه عما يبهجه ويعيد الحيوية إليه، ثم بعد ذلك بعد أيام قليلة جداً، تصاب بفتور قاتل لا يصل إلى حد التراخي فحسب ؛ بل قد يصل إلى حد الانقطاع، عن هذا العمل الجليل المبارك.
4- مصاحبة ضعاف الهمم: قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : {والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل} حديث حسن ، فلا تجد من صاحب الهمة الدنية إلا التثبيط , والحد من نشاطك حتى تعتاد نفسك على الكسل.
5- عدم طلب المعونة من الله وسؤاله الثبات على الطريق المستقيم.
6- دخول العجب والكبر في النفس والفرح بالطاعة في بداية الاستقامة..
7- الاغترار بالدنيا والغرق في ملهياتها.
علاج الفتور:
ويكون ذلك بعدة وسائل ونذكر منها:
1- الحرص على تعاهد الإيمان وتجديده في نفسك من ذكر وتلاوة للقرآن ومناجاة الواحد المنان.
2- القصد والاعتدال في الطاعات بلا إفراط أو تفريط ، فخير الأمور الوسط روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أنه قال : (( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )).
3- التدرج في الطاعة ، فتبدأ بالأسهل فالأسهل، وبالأحب إلى قلبك.
4- صحبة الأخيار من أخوانك ذوى الهمم العالية.
5- تذكر الموت ، والخوف من أن ينزل بك وأنت في حال لا ترضي الله عز وجل
.6- الالتجاء إلى الله دائما والتعوذ من الكسل كما ورد عن النبي أنه كان يقول ( اللهم إني أعوذ بك من الكسل ، و أعوذ بك من الجبن ،و أعوذ بك من الهرم ، و أعوذ بك من البخل )).
رواه البخاري و مسلم
أسأل الله لكم التوفيق والهداية والثبات على الصراط المستقيم