صلب المسيح في ميزان الفكر
هل إن قضية قتل المسيح وصلبه عبارة عن أسطورة منتحلة؟
لنكشف الستار عن هذه الفكرة بالعقل والمنطق .
وأعتقد ان للعقل وحده
الصلاحية في إدراك الدين الحق والتصديق بصحته ، والقلوب مستعدة دائماً
بفطرتها ، ومهيأة بطبيعتها لحب الحقائق والميل الوجداني إليها . فمن
الضروري إذاً الحصول على العقل المهذب المثقف بالعلم والتربية ، والوجدان
الطاهر المشغوف بحب الخير والشعور المعتاد للمحاسن والفضائل .
ولنبدأ مع الصليب الذي
هو موضوع الأناجيل ، وأساس الدين المسيحي المبني على التثليث والتجسد
الإلهي ، ومقدساته المذهبية التي هي عبارة عن الكهنوت والكفارة أي انه
عبارة عن الاعتراف بأن في الألوهية ثلاثة أقانيم حائزة على صفات مخصوصة
إلهية ، تعامل نوع البشر على الأرض بالعفو والمغفرة . ويدعون أن الأقنوم
الثاني الإلهي الذي تجسد قد خلص الإنسان من الخطيئة ومن أسر الشيطان
بصيرورته فداء على الصليب كما يحقق عدل الأقنوم الإلهي الأول وفقا للمفهوم
المسيحي .
وبعبارة أخرى إن
المسيحية أقامت التثليث والثالوث مقام التوحيد والوجدانية ، وتعتمد على
المساواة والاخوة والعدالة الصارمة الكافلة لتأمين السعادة الحقيقية بين
الناس على الأرض بالعفو والمغفرة الحاصلة من مصلوب متخيل . وتستعيض عن
النبي العام الممتاز بتأسيس السلام والمسالمة على الأرض بالإله المتجسد
المقتول مصلوباً محقراً وملعونا كما يفهمون .
وبصراحة إن قضية صلب المسيح وقتله المزعومة هي من أعقد وأهم المسائل التي تأصل الخلاف فيها فيما بين الديانتين الإسلامية والمسيحية
بل إن الصليب في نظر
المسيحية ومن حيث تمثيله التثليث هو عمدة قواعد الديانة ، اي ان المسيحية
قائمة على الصليب ، فالصليب هو مذبح عليه ذبح المعصوم . والصليب في فهمهم
أكبر واقعة فجيعة في الكائنات ، والصليب أساس الكنيسة تماماً ، والصليب
عماد الإنجيل ، كما أن الصليب في اعتقادهم علامة يوم الحشر فالذي يؤمن به
لا يهلك أبداً بل تكون له الحياة الأبدية.
ولماذا الصليب ؟ ولماذا كان موت المسيح ميتة ملعونة كما يفهمون؟
أساس العقيدة المسيحية
ان أبوينا الأولين (آدم وحواء) عليهما السلام لما كانا في جنة عدن فوسوس
إليهما إبليس الذي كان في شكل الحية وأغراهما فأكلا من الشجرة المحرمة
عليهما فلما عصيا ربهما وارتكبا ما نهى عنه طردا وأخرجا من الجنة المذكورة ،
وكانت نتيجة شؤم العصيان أن وصم جميع النوع البشري (بالذنب المغروس) وهكذا
كان نسل آدم المتسمم بهذا الذنب مستحقاً لعذاب نار جهنم الأبدي .
إن العدالة الإلهية حكمت
على مجموع النوع الآدمي الذي تعدى حدود الشريعة بالهلاك الأبدي ولكن رأفة
الله وإحسانه اقتضيا تخليصه وتبرئته ، فالجاني الذي خرق قانون العدالة
بارتكابه الجريمة يجب عليه أن يرتق الخرق الذي أحدثه ، فكذلك كان على نوع
البشر أيضاً ان يقدم ترضية للقانون الإلهي . فالجاني المحكوم عليه بالموت
يمكنه ان يحصل على إرضاء الشريعة بتقديم دم نفسه بالذات أو بفداء من غيره
بدلاً عن نفسه .
وإذا كان هلاك بني آدم
قانونياً وشرعياً فإن الرحمة الإلهية أوجدت لخلاصهم علاجاً قانونياً أيضاً ،
اي ان الله سمح بتضحية كلمته (المسيح) على الصليب كفارة عنهم وهاهي آيات
الإنجيل العجيبة تؤيد هذه البيانات التي ذكرناها وتصدقها فمن ذلك قوله :
(لأنه هكذا أحب الله العالم حتى أعطى ابنه الوحيد لكي لا يهلك من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية) (انجيل يوحنا 3 : 16) .
(بل وجدتم خلاصاً بفداء الحمل الخالص من العيب والدنس يعني بالدم الثمين للمسيح (بطرس 19:1) .
ولنأتي ونناقش الثالوث الوهم ، أركان التثليث الإلهية عبارة عن [الآب والابن والروح القدس]
فالآب : وهو الأقنوم الأول من الذوات الإلهية ، مع كونه والد الأقنوم الثاني فهو مكوّن الكائنات .
والابن : وهو الأقنوم الثاني مع كونه ولد الأقنوم الأول وإبنه الوحيد فإنه قد خلص العالم من الخطيئة .
وأما ا لروح القدس وهو
الأقنوم الثالث ، فإنه يصدر عن ركني التثليث الآخرين بصورة دائمة وأبدية ،
ومهمته عبارة عن إعطاء الحياة . إن الأقانيم الثلاثة ليست ثلاثة آلهة كما
يزعمون، بل هم يدعون وجود إله واحد ، باعتبار أن الواحد من الثلاثة وأن
الثلاثة واحد .
ولماذا هذا الثالوث وهما ؟
الحق أقول أن الثالوث
يطرح مشكلة هائلة وعظيمة ، وهذه المشكلة تتمثل بأسئلة فكرية وعميقة يقتضي
الوقوف عندها ، وبصراحة هذه الأسئلة ليست لها أجوبة عند المسيحيين .
لماذا لم ينكشف الصليب والثالوث قبل صلب يسوع عليه السلام ؟
ولماذا الخالق لم يتخذ ( جدلا) غير يسوع كفداء للعفو عن البشرية؟
وانتظر كل هذه المئات من السنين ( من عهد آدم) ليطهر البشر من خطيئتم ؟
هل كان التوحيد ناقصا قبل انكشاف التثليث بصلب المسيح عليه السلام؟
في شريعة موسى عليه
السلام وغيره من الأنبياء ألم يكن الله هو المعبود ولوحده ؟ فلماذا التحامل
على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إذا دعا إلى المعبود الواحد الذي دعا
إليه موسى عليه السلام؟
أسئلة وغيرها كثير ليس لها إجابة ، وبعض الاجابات لا يقبلها لا العقل ولا المنطق .
فهم يجيبون أن الثلاثة واحدا وكفى
ليت شعري وليتني أدري
كيف يفهمون الثلاثة واحدا ما دامت المسيحية تعترف بوجود نسبة بين الأقانيم ،
وان لكل منها صفات وأفعال ليست للآخرين ،فهذا الاعتراف يؤدي إلى أن
الأقانيم الثلاثة لا يمكن أن تكون إلهاً تاماً لا على الانفراد ولا
بالإجتماع ، اي ان (الآب) الوالد ، لا يمكن أن يكون هو الابن ، ولا أن يكون
الروح القدس ، وبناء على ذلك لا يمكن أن يكون (الله) إلهاً تاماً، لأنه
مقيد بالانضمام إلى الركنين الآخرين ، وهكذا الأقنوم الثاني والثالث ( طبعا
وفقا للمفهوم المسيحي والله منزه عما يصفوه).
تقول المسيحية ان في
الألوهية أبوة وبنوة ، بيد أنه لا يمكن أن يكون الله أباً وأبناً معاً في
وقت واحد ، ويلزم من كونه واحداً لا يمكن أن يكون أباً لنفسه ، ولا أن يكون
ابن نفسه، إذن فلا ريب في أن العقيدة المذكورة قائلة بوجودين مطلقين (أو
مستقلين) في الألوهية ، وكذلك الروح القدس الصادر والمنبثق على الدوام من
هذين الوجودين المطلقين أو المستقلين (الآب والابن) لما كان ليس أباً ولا
ابناً وجب أن يكون له وجود مطلق ثالث (مستقل) والحق يقال ان الفرق شاسع بين
معبود المسيحية وبين معبود المسلمين الذي يسبحونه جل وعلا .
وهنا تطرح هذه المقدمات
المعروضة مشكلة خطيرة مؤداها أن الله الآب (باعتقادهم) يفتقر إلى الله (
الإبن ) في وجوده وإلى روح القدس وهذه المشكلة تطرح مشكلة أخرى ، أيهما قبل
الآخر وجودا ؟ وأيضا مشكلة أخرى ، هل هما أزليان متساويان معا في الوجود؟
.... ما هذه العقيدة العجيبة الغريبة ؟!!!!!!!!
ولنطرح هنا مثلا ( لله كل أوصاف الكمال وله المثل الأعلى)
إن مفهوم الآب والابن وروح القدس هي حقيقة بنظر التعاليم المسيحية وهي حقيقة مركبة باعترافهم
والعقل والمنطق يثبتان أن وجود كل حقيقة مركبة ، موقوف على وجود أجزائها وتركيبها تركيبا خاصا :
وجود المثلث ( شكل هندسي) = حقيقة مركبة
وحقيقة وجود هذا الشكل الهندسي موقوفة على وجود أجزاء هذا المثلث وهي أضلاعه الثلاثة المركبة تركيبا خاصا أعطاه هذا الشكل المعروف
فلا يمكن ، عقلا ، أن يوجد هذا المثلث من غير وجود أجزائه – أي أضلاعه – وتركيبها تركيبا معينا .
ماذا نستنتج ؟ النتيجة
تتمثل بأن هذه الحقيقة المركبة تفتقر بوجودها إلى وجود أجزائها بل تحتاج
إلى وجود هذا الأجزاء ، وطبعا هذا الجزء يحتاج إلى جزئييات ليظهر ويوجد
ماذا نفهم من هذه المعادلة المنطقية : الأب = الله – لاهوت
الابن = المسيح – ناسوت
الروح القدس = اللاهوت اتحد بالناسوت
النتيجة: الاب = الابن = الروح القدس = الألوهية
يعني أصبحت الحقيقة
المركبة ، توجد من جزئين : جزء اللاهوت ( الأب ) وهي الحقيقة الكلية وجزء
الناسوت (الابن ) ، والتركيب الخاص ( روح القدس)
ماذا يعني هذا؟
أن الحقيقة الكلية ( الأب) محتاجة ومفتقرة في وجودها إلى جزئها الناسوتي ( الأبن)
ومفتقرة إلى الاتحاد الخاص روح القدس
فينتج عن هذا التصور أسئلة:
هل الأب ( اللاهوت) يحتاج إلى الإبن ( الناسوت ) حتى يكون موجودا ؟
هذا السؤال يدفعنا إلى طرح سؤال آخر
هل الأب وجد قبل الإبن أم الابن وجد قبل الأب؟
بربكم هل هذه عقيدة ؟ وهل هذا توحيد؟
أنا اقتنعت وأيقنت أن
قصة قتل المسيح عليه السلام وصلبه ثم قيامه من بين الأموات قصة خرافية ،
وان الأناجيل الأربعة مع كونها ليست تأليف المسيح ذاته لم توجد في زمانه بل
وجدت بعد وفاة الحواريين بزمن طويل وأنها وصلت إلينا بحالة محرفة ، وقد
لعبت بها الأقلام وبعد هذا كله اضطررت إلى الإيمان والاعتراف من كل عقلي
بأن محمدا عليه السلام هو النبي الخاتم وهو السيد وهو المخلص بما تركه من
قرآن وتشريع