شبهات حول القرآن الكريم والرد عليها
الحمد لله رب الأرض والسموات 0 والصلاة والسلام على منقذ البشرية من الضلالات ،وهاديهم إلى النور من الظلمات، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم البعث بعد الممات، وبعد 0 فأهلاً بكم مجدداً مع أحاديثنا المتنوعة والممتعة حول القرآن الكريم 0
وموضوع حلقتنا اليوم هو " شبهاة مثارة حول القرآن الكريم والرد عليها "
وهذا الموضوع يتطلب سلسلة حلقات متتالية ، نثير في كل حلقة منها بعض هذه الشبه الخطيرة والخبيثة في نواياها،ونرد عليها بقوة وجرأة فندحضها ونقلع جذورها ،فلا يبقي لأعداء الإسلام بعد ذلك حجة ،أو منفذ يتسللون من خلاله للطعن في ديننا الحنيف، ولا سيما معجزة ديننا الخالدة " القرآن الكريم "
قال تعالي : " وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمةالكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون " سورة التوبة آيه 12
والمقاتلة 0 كما تعلم أخي القارئ – كما تكون بالسيف ، تكون بالكلمة واعلم أن أول من أثار هذه الشبه هم المستشرقون من الإفرنج، أمثال جولدزيهر اليهودي ونولدكة الألماني ، والحق أن هناك عدة عوامل أدت إلى تجرؤ هؤلاء المستشرقين، وإقدامهم على هذا العمل الشنيع،وترجع هذه العوامل إلى ما يلي :
أولاً : كثرة الأقوال حول مسألة جمع القرآن الكريم في عهد عثمان رضي الله عنه ،كيف جمع والسبب في الجمع وموقف عثمان من مصاحف الصحابة 00 ..الخ
ثانياً : عدم وجود نقط وتشكيل الكلمات في عهد عثمان رضي الله عنه ، جعلهم يقولون إن القرآن كان عرضة لأن يقرأ كل من الصحابة والمسلمين حسبما يهوي .
ثالثاً : ضعف الروايات الواردة في هذه المسألة وسقوطها كان له النصيب الأكبر في رواج هذه الشبه، ومصداقيتها عند عامة الناس0
رابعاً : من أهم العوامل أيضاً التي ساعدات على انتشار هذه الشبه هو سماحة الإسلام ،حيث إنها فتحت مجال القول والكتابة على مصراعيه – فدخله العالم والجاهل فكتب فيه بحسن قصد – ما ليس منه ، ووجد للأسف من كلام أبناء الإسلام معاول هدم ، أخطر عليه من سيوف المبشرين والمستشرقين 0 وصدق القائل لا يبلغ الأعداء من جاهل :- ما يبلغ الجاهل من نفسه
خامساً : الحقد الدفين لدى هؤلاء الأعداء للإسلام وأهله
قال تعالي " ود الذين كفروا من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم " الأية
سادساً : محاولة إثارة الشبهات – ولو لم يقتنعوا بها – لأجل التشويش على الإسلام، مناصرة للتبشير بالمسيحية واليهودية ،خاصة عند الشعوب التي ثقافتها عن الإسلام محدودة .
وبعد فما أحوج الاسلام اليوم إلى حملة كحملة عثمان بن عفان رضي الله عنه، تحمل الناس على الطريق السوى، وتباعد بينهم وبين جهل الجاهلين ودس الدساسين 0
ولن يستطيع القيام بهذا العمل المقدس فرد أو أفراد، فقد اتسعت الثروة على الطاقة، وأصبح ذلك من واجب الهيئات وأولياء الأمور من المسلمين 0
ونسأل الله التوفيق للعلماء وأولياء الأمور لما فيه خير الإسلام ، ونعود إلى هذه الشبه المثارة
أولاً : الشبهة الأولى : يزعم هؤلاء المفترون : أن أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف تثبت وقوع الاختلاف في القرآن ، بينما القرآن نفسه يجعل الاختلاف أمارة على أنه ليس من عند الله، إذ يقول " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا وهذا يستلزم أحد أمور
1-إما أن يكون القرآن من عند غير الله.
2-وإما أن تكون هذه الأحاديث في نزول القرآن على سبعة أحرف كذب وافتراء.
3-وأن صحت الأحاديث فإنها تثبت وقوع الاختلاف والتناقض في القرآن 0
الجواب على الشبهة :
أولاً : حاشا وكلا أن يكون القرآن الكريم من عند غير الله ، فآيات التحدي بالاتيان بمثله أو حتى بعشر سور من مثلة أو بسورة واحدة من مثله صريحة، ولم نسمع بأحد تجرأ على هذا التحدى أبدا ، اللهم إلا بمسيلمة الكذاب – ويكفينا فيه وصفه بالكذب قال تعالى " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً "
ثانياً : أما أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف فكلها صحيحة بل ومتواترة، غاية ما في الأمر أنا نقول لمن اثار هذه الشبهة إنك لم تفهم أصلاً معنى الاختلاف المفهوم من الأحاديث لأنه يعنى التنوع في آداء اللفظ القرآني، ذو المعنى المقصود بالوحى، وليس تنوعاً مطلقاً حسب الهوى والمزاج 0
إن شئت فقل هو اختلاف في طرق الأداء في دائرة محدودة، لا تعارض بين معانيها ولا تضارب بين أحكامها، وفي هذا يقول ابن الجزري رحمه الله :-
قد تدبرنا اختلاف القراءات فوجدناه 0
لا يخلو من ثلاثه أحوال :
أحدها : اختلاف اللفظ لا المعنى ،كالاختلاف في ألفاظ " الصراط " تقرأ بالسين بدل الصاد وبالزاى أيضا .
ثانياً : اختلافهما جميعاً مع جواز اجتماعهما في شيء واحد، نحو لفظ " مالك يوم الدين " و" ملك يوم الدين " فمالك تختلف عن ملك لفظا ومعنى، لكن يمكن اجتماع الوصفين في موصوف واحد، ومن النكات الظريفة في هاتين القراءتين أن ملك أبلغ من مالك، لأن كل ملك مالك، وليس كل مالك ملك، وملك أقل حروفا من مالك، وإذا اتحد لفظان في معنى ولو من وجه كان الأقل حروفاً منهما هو الأبلغ، حسبما قرر البلاغيون 0
ثالثاً : اختلافهما جميعاً مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد، لكن تتفقان مع وجه آخر لا يقتضي التضاد، نحو قوله تعالى " وظنوا أنهم قد كذبوا " قرئت بالتشديد " كذّبوا " وبالتخفيف " كذبوا " وقراءة التشديد تعنى أن الكلام يعود على الرسل ، والمعنى وتيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم 0
وأما قراءة التخفيف ، فالمعنى : وتوهم المرسَل إليهم أن الرسل قد كذبوهم ،يعنى " كذبوا عليهم " فيما أخبروهم به، فالظن في الأولى يقين، والضمائر الثلاثة للرسل، والظن في القراءة الثانية شك، والضمائر الثلاثة للمرسَل إليهم أ ه
أذن فليس في القرآن شئ من التضاد أو التنافي كما يزعم هؤلاء ،هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وإلى لقاء قادم في حلقات متجددة مع شبهات حول القرآن الكريم والرد عليها.
كتبه :-
د.حامد محمد عثمان
أستاذ التفسير المساعد بجامعة الطائف